المرابحة صورة من صور البيع ، وعلى وجه
التحديد من بيوع الأمانة ، وهي البيوع التي تستند على الثقة بين المتبايعيين
وتعتمد رأس المال أساساً للثمن ، ومنها بيع التولية والوضيعة .
وكما أوضحنا فيما تقدم ، يجوز إبرام هذه
البيوع بالدفع العاجل أو السداد بالأجل .
وقد اتفق المسلمون على جوازها استناداً إلى
عموم الأدلة التي تبيح البيع بصفة عامة ، ووضعوا لها من الشروط والضوابط بحيث تبقى
في
إطار الصدق والأمانة الذي تدور عليه هذه البيوع .
والأهم في هذه البيوع هو بيع المرابحة ،
والذي استخدمته البنوك الإسلامية كأداة للتمويل لديها ، ولتقوم هذه الأداة
الإسلامية المشروعة ، فيما بعد وبشكل رئيسي ، مقام نظام التمويل بالفائدة لدى
البنوك التقليدية ، وقد احتل نظام التمويل بالمرابحة للأمر بالشراء ، الدرجة
الأولى بين أدوات التمويل المستخدمة لدى البنوك الإسلامية .
وسنتناول في هذا المطلب موضوع المرابحة
العادية من حيث طبيعتها وشروطها وضوابطها وتطبيقاتها العملية في عدد من الفروع
فيما يلي :
طبيعة
المرابحة ومشروعيتها
المرابحة لغة : مصدر من الربح هي
الزيادة . [1]
وهي مفاعلة من الربح ، وهو النماء في
التجارة (التجر) . [2]
وفي الاصطلاح الفقهي : عرفها
المالكية بأنها : ( مبيع السلعة بالثمن الذي اشتراها به مع زيادة ربح معلوم ) . [3]
وعرفها الحنابلة بأنها : ( بيع برأس المال
وربح معلوم ) . [4]
وعرفها الحنفية بأنها : ( بيع بمثل الثمن
الأول مع زيادة ربح ) . [5]
وعرفها الشافعية بأنها : ( عقد يبنى الثمن
فيه على ثمن البيع الأول مع زيادة ) . [6]
مشروعيتها : يستمد بيع المرابحة
مشروعيته من القرآن والسنّة واتفاق الفقهاء حوله من حيث المبدأ .
في القرآن : قال تعالى : [ ليس
عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر
الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين ] . سورة البقرة ، الآية
198 .
وذلك أن المرابحة تمثل ابتغاء للفضل أي
الزيادة ، كما أنها تدخل في عموم عقود البيع المشروعة لقوله تعالى : [ وأحل الله
البيع وحرّم الربا ] . سورة البقرة، الآية 275 .
في السنّة : كما أجاز الرسول عليه
الصلاة والسلام بيع السلعة بأكثر من رأس مالها في قوله عليه السلام : ( البيعان
بالخيار ما لم يفترقا ) .
وأيضاً : ( لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره
، خير من أن يسأل أحداً فيعطيه أو يمنعه ) . وقوله صلى الله عليه وسلم : ( الذهب
بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح
سواءً بسواء ، مثلاً بمثل ، يداً بيد ، فمن زاد أو استزاد فقد أربى ، فإذا اختلفت
هذه الأجناس فبيعوا كيف شئتم ) . [7]
اتفاق الفقهاء : هناك أيضاً فتوى
صادرة عن مؤتمر المصاريف الإسلامية الثاني تقول : ( إن المواعدة على بيع المرابحة
للأمر بالشراء ، بعد تملك السلعة المشتراة وحيازتها ثم بيعها لمن أمر بشرائها
بالربح المذكور في الوعد السابق هو أمر جائز شرعاً طالما كانت تقع على المصرف
مسؤولية الهلاك قبل التسليم ، وتبعة الرد فيما يستوجب الرد بعيب خفي ، أما بالنسبة
للوعد وكونه ملزم للأمر بالشراء أو المصرف أو كليهما فإن الأخذ بالإلزام أمر مقبول
شرعاً ، وكل مصرف مخيّر في الأخذ بما يراه في مسألة القول بالإلزام حسب ما تراه
هيئة الرقابة الشرعية لديه ) . [8]
شروط
صحة المرابحة
المرابحة بيع كالبيوع تحل بما تحل به
البيوع ، فحيث يكون البيع حلالاً فهي حلال ، وحيث كان البيع حراماً فهي حرام ،
ولكن يلزم لصحة المرابحة بالإضافة إلى الشروط العامة في العقود ( كالأهلية والمحل
والصيغة ) بعض الشروط الأخرى منها ما يلي :
1 - أن يكون الثمن الأول معلوماً للمشتري الثاني ،
لأن المرابحة بيع بالثمن الأول مع زيادة ربح ، والعلم بالثمن الأول شرط لصحة البيع
فإذا لم يكن معلوماً فهو بيع فاسد . [9]
2 - أن يكون الربح معلوماً لأنه بعض الثمن ، والعلم
بالثمن شرط لصحة البيع.[10]
3 - أن لا يكون الثمن في العقد الأول مقابلاً بجنسه
من أموال الربا ، فإن كان كذلك بأن اشترى المكيل أو الموزون بجنسه مثلاً بمثل لم
يجز بأن يبيعه مرابحة ، لأن المرابحة بيع بالثمن الأول وزيادة ، والزيادة في أموال
الربا تكون ربا لا ربحاً . [11]
4 - أن يكون رأس المال من المثلياتكالمكيلات
والموزونات والعدديات المتقاربة ، فإن كان قيمياً مما لا مثل له من العروض لم يجز
بيعه مرابحة، لأن المرابحة بيع بمثل الثمن الأول مع زيادة ربح . [12]
5 - أن يكون عقد البيع الأول صحيحاً ، فإن كان
فاسداً لم تجز المرابحة ، لأن المرابحة بيع بالثمن الأول مع زيادة ربح ، والبيع
الفاسد يثبت الملك فيه بقيمة المبيع إن كان قيمياً أو بمثله إن كان مثلياً ، لا
بالثمن المسمى لفساد التسمية ، والمملوك بالقيمة لا يباع مرابحة ، لأن القيمة
مجهولة لا تعرف إلاّ بالتقويم ، والمرابحة بيع بالثمن الأول مع زيادة ربح والثمن
الأول هنا مجهول القيمة . [13]
وتوجد شروط أخرى متعلقة بكل من بيان العيب
، وما قد يطرأ على المبيع من الزيادة أو النقصان ولأن بيع المرابحة من بيوع
الأمانة ، فيمتنع فيها على البائع خيانة المشتري في ثمن البيع صفة وقدراً ، أو في
المبيع من حيث سلامته أو تعيبه .
وقد شرح أئمة المذاهب الإسلامية والفقهاء
المسلمون من بعدهم هذه الأمور بالتفصيل الدقيق مع ضرب الأمثلة عليها ، ليرجع إليها
من يريد الاستزادة في هذا الموضوع . [14]
ومما سبق ذكره من شروط خاصة بالمرابحة ، يتبين
وجوب أن يكون المبيع حاضراً يراه المشتري ، أو أن يكون قد رآه وعرفه ، وأن يعرف
المشتري مقدار الثمن الأصلي ومقدار الربح الذي سيدفعه زيادة عن الثمن الأصلي ، إن
كان المبيع حالاً .
وأن يعرف مقدار الثمن الآجل إن كان بيع
المرابحة مرتبطاً بالأجل ، لأن الثمن الآجل يكون أعلى من الثمن الحال عادة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق