السبت، 29 ديسمبر 2012




المرابحة العادية
       المرابحة صورة من صور البيع ، وعلى وجه التحديد من بيوع الأمانة ، وهي البيوع التي تستند على الثقة بين المتبايعيين وتعتمد رأس المال أساساً للثمن ، ومنها بيع التولية والوضيعة .
       وكما أوضحنا فيما تقدم ، يجوز إبرام هذه البيوع بالدفع العاجل أو السداد بالأجل .
       وقد اتفق المسلمون على جوازها استناداً إلى عموم الأدلة التي تبيح البيع بصفة عامة ، ووضعوا لها من الشروط والضوابط بحيث تبقى في
إطار الصدق والأمانة الذي تدور عليه هذه البيوع .
       والأهم في هذه البيوع هو بيع المرابحة ، والذي استخدمته البنوك الإسلامية كأداة للتمويل لديها ، ولتقوم هذه الأداة الإسلامية المشروعة ، فيما بعد وبشكل رئيسي ، مقام نظام التمويل بالفائدة لدى البنوك التقليدية ، وقد احتل نظام التمويل بالمرابحة للأمر بالشراء ، الدرجة الأولى بين أدوات التمويل المستخدمة لدى البنوك الإسلامية .
       وسنتناول في هذا المطلب موضوع المرابحة العادية من حيث طبيعتها وشروطها وضوابطها وتطبيقاتها العملية في عدد من الفروع فيما يلي :





طبيعة المرابحة ومشروعيتها
       المرابحة لغة : مصدر من الربح هي الزيادة . [1]
       وهي مفاعلة من الربح ، وهو النماء في التجارة (التجر) . [2]
       وفي الاصطلاح الفقهي : عرفها المالكية بأنها : ( مبيع السلعة بالثمن الذي اشتراها به مع زيادة ربح معلوم ) . [3]
       وعرفها الحنابلة بأنها : ( بيع برأس المال وربح معلوم ) . [4]
       وعرفها الحنفية بأنها : ( بيع بمثل الثمن الأول مع زيادة ربح ) . [5]
       وعرفها الشافعية بأنها : ( عقد يبنى الثمن فيه على ثمن البيع الأول مع زيادة ) . [6]
       مشروعيتها : يستمد بيع المرابحة مشروعيته من القرآن والسنّة واتفاق الفقهاء حوله من حيث المبدأ .
       في القرآن : قال تعالى : [ ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين ] . سورة البقرة ، الآية 198 .
       وذلك أن المرابحة تمثل ابتغاء للفضل أي الزيادة ، كما أنها تدخل في عموم عقود البيع المشروعة لقوله تعالى : [ وأحل الله البيع وحرّم الربا ] . سورة البقرة، الآية 275 .
       في السنّة : كما أجاز الرسول عليه الصلاة والسلام بيع السلعة بأكثر من رأس مالها في قوله عليه السلام : ( البيعان بالخيار ما لم يفترقا ) .
       وأيضاً : ( لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره ، خير من أن يسأل أحداً فيعطيه أو يمنعه ) . وقوله صلى الله عليه وسلم : ( الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح سواءً بسواء ، مثلاً بمثل ، يداً بيد ، فمن زاد أو استزاد فقد أربى ، فإذا اختلفت هذه الأجناس فبيعوا كيف شئتم ) . [7]
       اتفاق الفقهاء : هناك أيضاً فتوى صادرة عن مؤتمر المصاريف الإسلامية الثاني تقول : ( إن المواعدة على بيع المرابحة للأمر بالشراء ، بعد تملك السلعة المشتراة وحيازتها ثم بيعها لمن أمر بشرائها بالربح المذكور في الوعد السابق هو أمر جائز شرعاً طالما كانت تقع على المصرف مسؤولية الهلاك قبل التسليم ، وتبعة الرد فيما يستوجب الرد بعيب خفي ، أما بالنسبة للوعد وكونه ملزم للأمر بالشراء أو المصرف أو كليهما فإن الأخذ بالإلزام أمر مقبول شرعاً ، وكل مصرف مخيّر في الأخذ بما يراه في مسألة القول بالإلزام حسب ما تراه هيئة الرقابة الشرعية لديه ) . [8]




شروط صحة المرابحة
       المرابحة بيع كالبيوع تحل بما تحل به البيوع ، فحيث يكون البيع حلالاً فهي حلال ، وحيث كان البيع حراماً فهي حرام ، ولكن يلزم لصحة المرابحة بالإضافة إلى الشروط العامة في العقود ( كالأهلية والمحل والصيغة ) بعض الشروط الأخرى منها ما يلي :
1 -   أن يكون الثمن الأول معلوماً للمشتري الثاني ، لأن المرابحة بيع بالثمن الأول مع زيادة ربح ، والعلم بالثمن الأول شرط لصحة البيع فإذا لم يكن معلوماً فهو بيع فاسد . [9]
2 -   أن يكون الربح معلوماً لأنه بعض الثمن ، والعلم بالثمن شرط لصحة البيع.[10]
3 -   أن لا يكون الثمن في العقد الأول مقابلاً بجنسه من أموال الربا ، فإن كان كذلك بأن اشترى المكيل أو الموزون بجنسه مثلاً بمثل لم يجز بأن يبيعه مرابحة ، لأن المرابحة بيع بالثمن الأول وزيادة ، والزيادة في أموال الربا تكون ربا لا ربحاً . [11]
4 -   أن يكون رأس المال من المثلياتكالمكيلات والموزونات والعدديات المتقاربة ، فإن كان قيمياً مما لا مثل له من العروض لم يجز بيعه مرابحة، لأن المرابحة بيع بمثل الثمن الأول مع زيادة ربح . [12]
5 -   أن يكون عقد البيع الأول صحيحاً ، فإن كان فاسداً لم تجز المرابحة ، لأن المرابحة بيع بالثمن الأول مع زيادة ربح ، والبيع الفاسد يثبت الملك فيه بقيمة المبيع إن كان قيمياً أو بمثله إن كان مثلياً ، لا بالثمن المسمى لفساد التسمية ، والمملوك بالقيمة لا يباع مرابحة ، لأن القيمة مجهولة لا تعرف إلاّ بالتقويم ، والمرابحة بيع بالثمن الأول مع زيادة ربح والثمن الأول هنا مجهول القيمة . [13]
       وتوجد شروط أخرى متعلقة بكل من بيان العيب ، وما قد يطرأ على المبيع من الزيادة أو النقصان ولأن بيع المرابحة من بيوع الأمانة ، فيمتنع فيها على البائع خيانة المشتري في ثمن البيع صفة وقدراً ، أو في المبيع من حيث سلامته أو تعيبه .
       وقد شرح أئمة المذاهب الإسلامية والفقهاء المسلمون من بعدهم هذه الأمور بالتفصيل الدقيق مع ضرب الأمثلة عليها ، ليرجع إليها من يريد الاستزادة في هذا الموضوع . [14]
       ومما سبق ذكره من شروط خاصة بالمرابحة ، يتبين وجوب أن يكون المبيع حاضراً يراه المشتري ، أو أن يكون قد رآه وعرفه ، وأن يعرف المشتري مقدار الثمن الأصلي ومقدار الربح الذي سيدفعه زيادة عن الثمن الأصلي ، إن كان المبيع حالاً .
       وأن يعرف مقدار الثمن الآجل إن كان بيع المرابحة مرتبطاً بالأجل ، لأن الثمن الآجل يكون أعلى من الثمن الحال عادة .



















ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق